كثيرًا ما يُشَبَّه الاقتصاد الوطني بالشركة، والحكومة بمجلس إدارتها. وفي عالم يتزايد فيه الضغط على الحكومات لتحسين الأداء وتحقيق التنمية المستدامة، تبرز الحاجة إلى أدوات تقييم دقيقة وعملية. فهل يمكن فعلاً استخدام مفاهيم الشركات لتحليل أداء الحكومات؟ وهل يملك المواطنون نفس الحق الذي يملكه المستثمر في محاسبة "مجلس الإدارة" على النتائج؟
🔍 الاقتصاد... شركة بحجم دولة!
كثيرًا ما يُشَبَّه الاقتصاد الوطني بالشركة، والحكومة بمجلس إدارتها. فكما يُقيّم المستثمرون أداء الشركات بناءً على مجموعة من المؤشرات المالية، يمكن تحليل أداء الحكومات من خلال مؤشرات مشابهة تعكس مدى فاعلية إدارتها للموارد، وجودة قراراتها الاستراتيجية.
🧾 مؤشرات الشركات... أدوات لقياس أداء الحكومات
في عالم الشركات، ينظر المحللون إلى نسب مثل:
هامش الربح التشغيلي
العائد على الأصول
نسبة المصروفات الإدارية إلى الإيرادات
كلها تُستخدم لتحديد ما إذا كانت الإدارة تُحسن استخدام مواردها وتحقق نمواً مستداماً. وعلى الصعيد الحكومي، يمكن قياس الأداء بمؤشرات مثل:
نسبة الإنفاق الجاري إلى الإنفاق الرأسمالي
نسبة الدين إلى الناتج المحلي
كفاءة تحصيل الإيرادات
⚠️ ربحية بلا استثمار؟ مؤشر خطير!
من الأمثلة التي يُساء فهمها سواء في الحكومات أو الشركات، وجود هامش ربحي مرتفع في ظل غياب أو محدودية الإنفاق الرأسمالي (CapEx). في الظاهر، قد يبدو ذلك علامة إيجابية على كفاءة الإدارة، لكنه غالباً ما يكون مؤشراً على غياب رؤية للنمو والاستثمار المستقبلي.
فالشركات التي تكتفي بتحقيق أرباح آنية دون توجيه جزء منها نحو الابتكار أو التوسع، تُعرِّض نفسها لخطر التراجع على المدى المتوسط. بالمثل، الحكومات التي تركز على التوازن المالي دون استثمار فعّال في البنية التحتية ورأس المال البشري، تُفرّط في فرص التنمية طويلة الأجل.
💸 توزيعات الأرباح أم مكافأة نهاية الخدمة؟
يُنظر إلى زيادة توزيعات الأرباح من قبل الشركات – وهي أشبه بتحويل الفوائض المالية للحكومات إلى دعم مباشر أو إنفاق شعبي – كإشارة على غياب خطط نمو أو توسع مستقبلي. فالسوق يفسر هذه الخطوة غالباً بأنها “مكافأة نهاية الخدمة” للمستثمرين بدلاً من تمهيد لنمو قادم.
📉 عندما تكون النفقات علامة ضعف لا قوة
أما من حيث الكفاءة التشغيلية، فإن أي زيادة في المصروفات الإدارية أو التكاليف الثابتة التي تتجاوز معدلات الصناعة أو القطاعات المماثلة، تُعدّ مؤشراً سلبياً على تراجع الانضباط المالي.
الأمر ذاته ينطبق على الحكومات التي ترتفع فيها النفقات الجارية كنسبة من الناتج المحلي دون مردود تنموي ملموس. وهذا يعني أن الدولة تدفع رواتب وتكاليف تشغيل، لكنها لا تُنتج بنية تحتية، أو خدمات مستقبلية مستدامة.
🧭 خلاصة: كيف نحكم على أداء الحكومة؟
باختصار، كما تُقيّم الشركات بناءً على:
استدامة الربحية
كفاءة الإنفاق
وضوح الرؤية المستقبلية
كذلك يجب أن تُقيّم الحكومات على أساس:
الاستخدام الأمثل للموارد
التوازن بين النمو قصير الأجل والاستثمار طويل الأجل
الحفاظ على كلفة تشغيل الدولة ضمن المعدلات المعقولة
وذلك مقارنة بنظرائها إقليمياً وعالمياً.
🧠 أهميته لنا في ليبيا؟
في بيئة اقتصادية غير مستقرة مثل ليبيا، يُصبح هذا النوع من التفكير التحليلي أداة ضرورية للمواطنين والمراقبين، لفهم أداء الدولة واقتراح حلول واقعية. لا يكفي النظر إلى ميزانية متوازنة أو فائض مالي، بل لا بد من رؤية ما وراء الأرقام: هل يُبنى مستقبل؟ أم يُدار الواقع فقط؟