logo
تحميل التطبيق
English
logo
جميع الفئات
تعليم مالي١٤ يونيو ٢٠٢٥

قصة المؤسسة الليبية للاستثمار: عملاق أفريقيا المقيد

فريق بورصة
فريق بورصة
قصة المؤسسة الليبية للاستثمار: عملاق أفريقيا المقيد

النرويج تمتلك أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، ولكن هل تعلم أن أول صندوق ثروة سيادي في العالم تم إنشاؤه في دولة عربية لغرض إدارة الفوائض المالية عن صادرات النفط. ولكن ما هو صندوق الثروة السيادي؟ وما هي أكبر الصناديق في العالم؟

تنويه 📢

تم إعداد ونشر هذا المقال من خلال أكاديمية "بورصة" التعليمية، وهي منصة ليبية على الإنترنت تهدف إلى رفع الوعي وتعزيز المعرفة حول الاستثمار والأسواق المالية لدى القارئ الليبي.

من أين بدأت الفكرة؟

تبدأ القصة في فبراير من عام 1953، في دولة الكويت، حين أدرك رجال الدولة، وعلى رأسهم الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت آنذاك، أهمية النفط كمصدر رئيسي للدخل. لم تقتصر رؤيتهم على الاستفادة المباشرة من هذا المورد الحيوي، بل نظروا إليه كأداة استراتيجية يمكن تسخيرها لتحقيق تنمية مستدامة تضمن الرفاه عبر الأجيال. وانطلاقًا من هذه الرؤية، تم الإعلان عن تأسيس مجلس الاستثمار الكويتي، بهدف توظيف فائض العوائد النفطية بفعالية وتنويع مصادر الدخل، لضمان استقرار الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.

سرعان ما لحقت العديد من الدول بهذه المبادرة الرائدة، لتتوالى نشأة الصناديق السيادية، وغالبًا ما تنشأ في دول غنية بالموارد الطبيعية مثل السعودية والكويت، أو في دول تمتلك احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي مثل الصين وسنغافورة. وهي كيانات استثمارية ضخمة تُدار من قبل الحكومات، تهدف إلى إدارة الفوائض المالية الناتجة غالبًا عن الإيرادات النفطية أو الموارد الطبيعية أو الفوائض التجارية.

يُدار هذا الصندوق بطريقة احترافية عبر هيئات متخصصة أو مجالس مستقلة تضم خبراء في الاقتصاد والاستثمار، وتخضع لإشراف حكومي مباشر أو غير مباشر. يعمل الصندوق على تنويع مصادر الدخل الوطني من خلال استثمارات طويلة الأجل في مختلف القطاعات، مثل العقارات والأسهم والبنية التحتية والتكنولوجيا وغيرها، سواء محلياً أو عالمياً. يتم اختيار هذه الاستثمارات بناءً على معايير دقيقة تشمل العائد المتوقع، وتوزيع المخاطر، والأهداف الاستراتيجية للدولة، مما يساهم في دعم الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام للأجيال الحالية والمستقبلية. الجدير بالذكر أن أكبر 100 صندوق سيادي في العالم يديرون اليوم أصولًا تبلغ قيمتها 13.7 تريليون دولار. 

خارطة الصناديق السيادية الكبرى

في مقدمة هذه الصناديق، يتربع صندوق الثروة السيادي النرويجي على عرش أكبر صندوق سيادي في العالم، حيث يدير أصولًا تتجاوز قيمتها 1.7 تريليون دولار. وقد ساعدت عائدات النفط والغاز في بحر الشمال، والتي تمثل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للنرويج، في تغذية هذا الصندوق العملاق. وفي عام 2024، حقق أرباحًا قياسية بلغت 222 مليار دولار، بفضل استثماراته الناجحة في قطاع التكنولوجيا، وعلى رأسها شركات مثل أبل، مايكروسوفت، وإنفيديا.

تأتي الصين بعد ذلك بصندوقيها السياديين الأكبر، الصندوق السيادي الرئيسي، جهاز الاستثمار الصيني (China Investment Corporation - CIC)، وشركة سيف (SAFE Investment Company)، اللذان يمتلكان معًا أصولًا بقيمة 2.4 تريليون دولار. تلعب هذه الصناديق دورًا محوريًا في تمويل مشاريع استراتيجية كبرى، أبرزها مبادرة "الحزام والطريق". وقد استُثمرت مليارات الدولارات من خلالها في مشروعات السكك الحديدية والطاقة الخضراء والتعدين في إفريقيا، حيث تفوق الاستثمارات الصينية هناك نظرائها من الدول الغربية بمقدار 2.5 مرة.

أما صندوق أبوظبي للاستثمار (ADIA)، فقد تأسس في مارس 1976 على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ليتحول إلى أحد أهم الأدوات الاقتصادية للإمارة، ممولًا من فوائض عائدات النفط والغاز. يدير الصندوق اليوم أصولًا بقيمة 1.06 تريليون دولار. ويأتي في المرتبة الخامسة صندوق الاستثمار الكويتي،  وكما ذُكر يُعد أول صندوق سيادي في العالم، وتبلغ أصوله 1.03 تريليون دولار.

 يليه صندوق الاستثمارات العامة في السعودية بأصول تصل إلى 925 مليار دولار، وقد تنوعت استثماراته في السنوات الأخيرة لتشمل شركات كبرى مثل أوبر ونينتندو، ومطار هيثرو، مع خطط مستقبلية لاستثمار مليار دولار في خدمة البث الرياضي "DAZN" بحلول 2025.

قصة المؤسسة الليبية للاستثمار: عملاق أفريقيا المقيد

في أفريقيا، تتصدر المؤسسة الليبية للاستثمار (LIA) قائمة الصناديق السيادية من حيث حجم الأصول. تأسست في 28 أغسطس 2006 بموجب المرسوم رقم 208 الصادر عن اللجنة الشعبية العامة، عقب رفع العقوبات الاقتصادية عن ليبيا، بهدف إدارة فوائض عائدات النفط واستثمارها في محفظة متنوعة تشمل الزراعة  والعقارات، إلى جانب النفط والغاز والمشتقات المالية.

تحوّلت المؤسسة إلى ركيزة أساسية في الاقتصاد الليبي، وتوسعت تحت مظلتها كيانات فرعية مثل الشركة الليبية للاستثمار الخارجي (LAFICO) وصندوق التنمية والاستثمار المحلي (LIDF)، وغيرها. وقد بلغت قيمة أصولها – حسب التقديرات الأخيرة – ما بين 67 إلى 70 مليار دولار.

لكن اندلاع الثورة الليبية عام 2011 وسقوط نظام القذافي أديا إلى تجميد أصول المؤسسة من قِبل مجلس الأمن الدولي، لحمايتها من الاختلاس أو الاستغلال السياسي. منذ ذلك الحين، أصبح دور المؤسسة يقتصر على حماية الأصول المجمّدة، دون القدرة على إجراء استثمارات جديدة أو نقل الأموال من حسابات ذات فائدة سلبية، إلا بموافقة مجلس الأمن.

وبحلول نهاية عام 2024، أبدت المؤسسة تفاؤلها بقرب رفع التجميد، ما سيسمح لها بإعادة تنشيط استثماراتها المتراكمة، التي تشمل 29 مليار دولار في العقارات العالمية، و23 مليارًا كودائع في أوروبا والبحرين، و8 مليارات في أسهم لأكثر من 300 شركة، بالإضافة إلى سندات بقيمة 2 مليار دولار. كما أعلنت خططًا للتوسع داخليًا في مشاريع الطاقة الشمسية وزيادة صادرات النفط.

صناديق الثروة السيادية

صناديق الثروة السيادية

نهاية مفتوحة واستثمارات لا تعرف الحدود

من الكويت إلى النرويج، ومن بكين إلى طرابلس، تمتد قصة الصناديق السيادية كأداة استراتيجية لا تقتصر على الادخار، بل تتعداه إلى صناعة المستقبل. وبينما يخطو البعض بثقة نحو استقلال مالي ومستقبل أفضل، ما زال آخرون ينتظرون فك القيود لاستئناف رحلتهم نحو التنمية

 في عالم متقلب، تبقى الصناديق السيادية مرآة لرؤية الدول، وقدرتها على تحويل الموارد إلى استثمارات تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة.